أحيانا، في عُتمة الليل، أراه يتسلل للغرفة مثل قطّ. بطرف عيني شبه المغمضة اتبين ملامحه المضطربة، يداه داكنتان، وشعره رطب كمن تسلق سبعة طوابق. أخفض صوت تنفسي كيلا يسمعني ولكن خفقات قلبي الأخيرة تفضحني، ولكي أهدئ من روعه اسرد له قصة بُّو وقلبه الواشي. يعرف أني شبه مستيقظة، يعرفني جيدا. يشتم العرق المتجمع حول رسغي، وكاحلي. إنه مميز جدا، لأني مريضة وقلبي على وشك أن يتوقف تماما. يتحقق من النوافذ المغلقة، وينير إضاءة صغيرة نضعها في آخر الغرفة الواسعة فوق مكتبه. لا أتذكر عدد الليالي التي انتظرته فيها حتى منتصف الليل دون أن يعود. لكنه دائما ما يعود في آخر الوقت. ودائما ما يعود بشيء ما من صيده الثمين. قطعة معينة من أجسادهنّ اليافعة، أتخيله ينتشلها بأسنانه، قبل أن يضعها في جيب معطفه. لا يقلقه أن يراه أحد ما، لأن لون الدم عادة ما يبدو قاتما مثل الظلمة في الليل. أعرف أنه يواعدهنّ، ويقبلهنّ، ويمارس معهن الحب، وأعرف أنه يفعل كل ذلك لأجلي. هل سيأتي اليوم الذي يقتلني فيه أيضا من أجل سيدة أخرى؟ تحت الضوء أراه يبلل يديه بالماء وينفضهما حتى تجفّان تماما. يعيد وضع خاتم زواجنا في اصبعه، ويخرج المُضغطة من جيب معطفه، ويضعها في صحن خاص أمامه. يخلط يمينه بيساره متفكرا في خطة عمليته السرية. ها هي طقوسه لهذا النوع من الليالي: يحضّر الإبرة والسكين، يغسل القلب الصغير جيدا بمحلول من ماء وملح وسدر. يقلّبه في راحته كي يتأكد من أن تراكيبه سليمة، وفي مكانها، يقبّله، يضعه في صحن أخر بجانب سكينة دقيقة كنّا نستعملها لآكل الفاكهة، يتركه يجف قليلا قبل أن يتجه إليّ. عليّ أن أبدو نائمة حتى يتمكن من شقّ صدري دون أن ترتجف يداه.
في كل مرة يسرق من أجلي قلب جديد، أشعر أن النهاية قد حانت. في الزمانات السحيقة لم يكن في داخلي قلب، وكنت أحيا دون أن أسمع دقة واحدة في صدري، أو أن أشعر بالدماء وهي تتدفق داخل أوعيتي، لم أكن أشعر بأي شيء، ولم تكن في حاجتي شيء لذلك. لقد كانت حياتي هادئة تماما. وكنت خالدة ومثالية.
يأخذ القلب القديم، يرميه في الصحن، أسمع صوت ارتطامه، ها هو ثقيل ومتيبس وميّت. تظل تموت هذه القلوب التي يزرعها في داخلي، أحيانا تحيا لشهر أو اثنين وبعضها لا تتجاوز فتوته الثلاثة أيام. لا نعرف كلانا لماذا، لكنه يقول أني غير مُخلصة له بحبي. ينتف شعرة من رأسي، وأجاهد حتى أبقى ساكنة دون حراك. حتى عندما لا أشعر بألم الجروح، تخِزني بعض الندبات هنا وهناك. يُمرق شعرتي في ابرته، ويخيط الصرح الممتد من رقبتي حتى جانبي الأيسر.
لثانية لا أشعر بشيء. لا شيء في داخلي يصنع موسيقا أو يضرب على طبل. أظل أتحمل كل هذه الطقوس من أجل هذه اللحظات السريعة بالذات، عندما ننتظر كلانا أول دقات القلب الجديد في صدري.
يأخد الصحن بعيدا، ويعود فورا. يرقد بجانبي ويضع رأسه فوق صدري، تمرّ دقيقة، كلانا يشعر بالدقة الأولى. أفتح عيناي وأتخيل وجه المرأة التي ستدفن غدا دون قلب، سيقول الشيخ أن الله لعنها لأنها لم تأت الله بقلب سليم. وسيقول الطبيب أن سبب الوفاة توقف في الدورة الدموية دون أن يهتم بالفجوة الفارغة في صدرها. وستقول الشرطة أن القاتل بالتأكيد طرفٌ من عصابة للتجارة بالأعضاء. وسيقول الصحفي في جريدة الغد أننا ابتلينا بجزّار بشري ذي حس دعابة سمج. لكن زوجي سينسى كل شيء حتى غزوته التالية، ويرقد باطمئنان بجانبي.
تمتد الليلة حتى الصباح، ورغم أني لا أشعر بأي حب من أجله، لا أشعر بأي حب تجاه أي شيء أخر إلا أني أنوي أن ابتسم في وجهه وأن أقول له أحبك عندما يصحو في النهار، ولربما في المرة القادمة يصطاد لي قلب حسناء بإمكانها أن تشعر بالندم.
انتهت
2023 – 12
آية أبوعقرب